الانتقال من الحليب إلى الطعام الصلب

دعونا نخلع أسلوب حياتنا القديم، و"نلبس الإنسان الجديد"...


"وَأَنَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أُكَلِّمَكُمْ كَرُوحِيِّينَ، بَلْ كَجَسَدِيِّينَ كَأَطْفَال فِي الْمَسِيحِ، سَقَيْتُكُمْ لَبَنًا لاَ طَعَامًا، لأَنَّكُمْ لَمْ تَكُونُوا بَعْدُ تَسْتَطِيعُونَ، بَلِ الآنَ أَيْضًا لاَ تَسْتَطِيعُونَ." ١ كورنثوس ٣ : ١-٢


هل أنت مستعد للطعام الصلب؟
عندما كان طفلي البكر لا يزال رضيعًا، كنت متحمسة جدًا حين كبر بما يكفي لتجربة الطعام الحقيقي لأول مرة. كنت واثقة من أنه سيحبه، لكنني سرعان ما اكتشفت أن الانتقال من الحليب إلى الطعام الصلب ليس دائمًا سهلًا. فالصغار يحتاجون إلى وقت للتأقلم مع القوام المختلف في أفواههم، وتعلّم كيفية مضغ الطعام باستخدام لثّتهم. وحتى اليوم، أحد أولادي لا يأكل بعض الأطعمة فقط بسبب الإحساس الذي تتركه في فمه.

 

يتحدث الكتاب المقدس عن الحليب والطعام الصلب في سياق نموّنا الروحي. فعندما نؤمن بالمسيح لأول مرة، نبدأ بالحليب؛ أي نبدأ بأساسيات الإنجيل. ومع مرور الوقت ونضوجنا الروحي، نبدأ بتناول الطعام الصلب. نتعمّق أكثر في كلمة الله، ونتعلّم المزيد عن تعاليمه. وخلال مسيرتنا في الإيمان، نستمر في التغذي على طعام روحي غنيّ.

 

القناعة بالحليب الروحي
 في بعض الأحيان، قد نجد أنفسنا غير مهتمين كثيرًا بالطعام الروحي الصلب. نكتفي بالعيش على الحليب الروحي فقط. وقد تطرّق بولس إلى هذه المشكلة في رسالته إلى كنيسة كورنثوس، التي كانت تعاني من مشكلات عديدة، من بينها الانقسامات، والاختلاط بالممارسات الدينية الوثنية، ومشكلات خطيرة في السلوك الجنسي. كان تصرّفهم غير منسجم مع الإنجيل الذي بشّرهم به.

 

قال بولس:
«وأنا أيها الإخوة لم أستطع أن أكلّمكم كروحيين، بل كجسديين، كأطفال في المسيح. سقيتكم لبنًا لا طعامًا، لأنكم لم تكونوا بعد قادرين، بل أنتم الآن أيضًا غير قادرين، لأنكم بعد جسديون. فإنه إذ فيكم حسد وخصام وانشقاق، ألستم جسديين وتسلكون بحسب البشر؟ لأنه متى قال واحد: أنا لبولس، وآخر: أنا لأبلّوس، أفلستم جسديين؟»
 (١ كورنثوس ٣ : ١-٤)

 

كان ينبغي لهؤلاء المؤمنين أن يكونوا مستعدين لتناول الطعام الروحي الصلب، مستعدين لتعلّم أعمق، لكنهم لم يكونوا كذلك. وكأنهم ما زالوا مؤمنين جدداً، ضعفاء وغير متجذرين في الحق، يسهل تضليلهم.

 

كيف عرف بولس أنهم غير مستعدين؟ بسبب النزاعات بينهم والتنافس حول من يتبع من، بولس أم أبلّوس؟ لكن السبب الأعمق كان عالميّتهم. كانوا لا يزالون يعيشون بحسب الجسد. وهذا لا يعني أنهم لم يكونوا مؤمنين، بل أن تأثير الجسد كان لا يزال أقوى من تأثير الروح فيهم. لم يكونوا قد "خلعوا" الإنسان العتيق و"لبسوا" المسيح كما دعاهم بولس في كولوسي ٣. لم يكونوا يعيشون حياة القداسة التي تميز من اختارهم الله.

 

التقدّم نحو الطعام الصلب
بصفتنا مسيحيين، يجب أن نرغب جميعًا في الطعام الروحي الصلب. ينبغي أن نرغب في دراسة كلمة الله والتعمّق في معرفته وأعماله. علينا أن نستلذّ بها، كما قال كاتب المزامير:
«ما أحلى قولك لحنكي! أحلى من العسل لفمي»
 (مزمور 119: 103)،
 لأنها «ليست أمورًا باطلة عليكم، بل هي حياتكم»
 (تثنية 32: 47).

 

لكن، مثلما يتعلّم الأطفال تناول الطعام الصلب، نحن أيضًا بحاجة إلى تطوير ذوقنا له. يُقال إن الشخص يحتاج إلى تذوّق الطعام الجديد أكثر من عشر مرات قبل أن يحبّه. والأمر مشابه مع كلمة الله. نطوّر ذوقنا لها من خلال الممارسة. فكلما قرأنا ودرسنا، كلما شكّلتنا الكلمة أكثر، وازداد إدراكنا لحاجتنا إليها.

 

كما حث كاتب رسالة العبرانيين:
 «لأنكم إذ كان ينبغي أن تكونوا معلّمين لكونكم قد مضى عليكم زمان، تحتاجون أن يعلّمكم أحد ما هي أركان بداءة أقوال الله، وقد صرتم محتاجين إلى اللبن لا إلى طعام قوي. لأن كل من يتناول اللبن هو عديم الخبرة في كلام البر، لأنه طفل. وأما الطعام القوي فللبالغين، الذين بسبب التمرن قد صارت لهم الحواس مميزة بين الخير والشر»
 (عبرانيين 5: 12–14).

 

لنغتذِ بكلمة الله
 نحن بحاجة أيضًا لأن نفقد شهيتنا للحليب فقط. أذكر عندما كنت أعلّم أطفالي الصغار كيف يحملون الكوب بأنفسهم ويستخدمون الملعقة. كانوا معتادين أن يطعمهم الآخرون، واضطروا لتعلّم كيف يشربون ويأكلون بأنفسهم. كذلك نحن، عندما نكون معتادين على الحليب الروحي، نكون معتادين أن يطعمنا الآخرون. نقرأ تأملات جاهزة. نسأل الآخرين عن تفسير المقاطع. لكن النضوج الروحي يعني أن نضع هذه الأمور جانبًا ونتعامل مع الكتاب المقدّس بأنفسنا.

 

لكن الأهم من ذلك، أن ننمو في النضوج الروحي من خلال ترك العالميّة. لأننا متّحدون بالمسيح بالإيمان بحياته وموته وقيامته، نحن خليقة جديدة. لسنا كما كنا سابقًا. فلماذا نعيش وكأننا لا زلنا كما كنّا؟ لنتخلَّ عن نمط حياتنا القديم—الأفكار والمعتقدات والسلوكيات العالمية—ونلبس «الإنسان الجديد الذي يتجدّد للمعرفة حسب صورة خالقه» (كولوسي 3: 10). لنعِش كأناس مقدّسين ومفرَزين لله.

 

صحيح أن الكتاب المقدس يدعونا أن نأتي إلى المسيح كأولاد صغار، متّكلين على نعمته، لكنه لا يدعونا أن نبقى أطفالًا. علينا أن ننمو في الإيمان وننضج، منتقلين من الحليب إلى الطعام الصلب. فلنغتذِ بكلمة الله، ونستلذّ بها، ونجوع إليها طوال حياتنا.

 

طلبة الصلاة:


صلِّ هذا الأسبوع:


 يا إلهي،
 امنحني رغبة وجوعًا لأنمو في المعرفة والحكمة من كلمتك المقدسة. ساعدني أن أترك الأمور العالمية خلفي وأن أقترب منك أكثر. 

آمين.



هل أنت مستعد للنمو في النضوج الروحي وترك العالميّة؟ هل ترغب في التواصل مع شخص يهتم بك ويساعدك في بدء هذه المسيرة؟

تواصل معنا.


هل تحب هذا؟

هل تحب ما قرأت للتو؟ قم بالتسجيل للحصول على هذا كبريد إلكتروني في صندوق الوارد الخاص بك هنا!

التسجيل